Translation

 



الوسائل البديلة لحل المنازعات الأسرية






ورقة بحثية حول موضوع:

 

 




من إعداد الطلبة الباحثين:

·    ابراهيم الدنفي

·    رشيد أنجار

·    إكرام عكوري

 

مقدمة:

إن فشل مؤسسة الصلح الأسري: حيث لا تتجاوز نسب الإشهاد على الصلح في جميع قضايا الطلاق والتطليق عتبة 15% من مجموع القضايا المحكومة، ويرجع هذا التدني إلى عدة أسباب موضوعية منها: كثرة القضايا الرائجة، وقلة القضاة المتفرغين والمتخصصين في إدارة عمليات التفاوض وإصلاح ذات البين، وعدم وجود فضاءات ملائمة وغيرها، وأخرى ذاتية تتعلق بنفسية الزوجين والتدخل السلبي للأسرة وبالتالي وجوب احدات آليات جديدة لفض النزاع منها الوساطة الأسرية

·      ماهية الوساطة الأسرية

تعتبر الوساطة الأسرية إحدى الطرق البديلة  لفض المنازعات الأسرية، بإسناد الأمر لشخص محايد من أصحاب الخبرة والنزاهة والكفاءة، بمساعدة أطراف النزاع، على تقريب وجهات نظرهم، عن طريق التفاوض، بطابع ودي قائم على التوافق والحوار، بعيداً عن إجراءات أو المساطير القضائية المعقدة،

وقيل هي عملية بناء أو إعادة بناء للروابط العائلية، بتدخل شخص ثالث هو الوسيط، الذي لا يملك سلطة اتخاذ القرار، وذلك عن طريق تنظيم اجتماعات، يسعى من خلالها إلى استعادة التواصل والثقة بين الأفراد، للوصول إلى اتفاق ينهي خلافاتهم الأسرية، ونزاعاتهم الشخصية،

من خلال هذه التعاريف، يتبين أن الوساطة تستلزم حضور أطراف النزاع، ومشاركتهم في الحوار، إذ يُمنح لكل طرف فرصته للتعبير عن وجهة نظره، ويبذل الوسيط جهده في تقريب وجهات نظر الأطراف وذلك بالاستعانة بكفاءاته ومؤهلاته.

تشكل ثمانينيات القرن العشرين فترة بداية اعتماد الوساطة كممارسة فعلية لتسوية النزاعات الأسرية على أسس تفاوضية، وبالخصوص تلك التي تتعلق بالطلاق والانفصال. فتجاربها الأولى التي تشبعت بالحركات الاجتماعية المدافعة خلال ستينيات القرن الماضي بالولايات المتحدة الأمريكية، عن توسيع الحقوق المدنية والمساواة بين الأجناس والأنواع.

·      أدوار وحدود جمعيات المجتمع المدني في الوساطة الأسرية

مع تطور المجتمع أصبح للجمعيات المجتمع المدني دور مهم سواء في التأطير والتوعية وكذلك المساعدة في القضايا الأسرية ، وسارت فاعلا أساسيا في هذا النوع من القضايا ، وهذا الدور المهم أفرزه الواقع العملي والنشاط الذي تباشره هذه الجمعيات ، وخاصة الجمعيات المتخصصة بشؤون الأسرة.

إذا أردنا أن نضع نطاقات لدور جمعيات المجتمع المدني في القضايا الأسرية بشكل عام ، فهي تساهم بشكل مباشر أو غير مباشر في هذا النوع من القضايا، ويتجلى دورها الغير مباشر في أن جمعيات المجتمع المدني من المنادين بإجراءات بعض التعديلات على مدونة الأسرة وخاصة الجمعيات المتعلقة بشؤون الأسرة ، ويقدمون مقترحات لهذه التعديلات وبالتالي معظم هذه الجمعيات تساهم في إنشاء القاعدة القانونية المتعلقة بالأسرة، أما التدخل المباشر لهذه الجمعيات كما ذكرنا في البداية فهو يكون على شكل التأطير والتحسيس والوساطة في قضايا الأسرة ، وخاصة المنازعات الأسرية.

وتقوم جمعيات المجتمع المدني بهذه الأنشطة بشكل تطوعي من خلال توفير مراكز الاستماع و الاستقبال  ،لمساعدة الأسر التي تعيش وضعية نزاع وعدم تفاهم بتقديم المساعدات النفسية والقانونية ، من خلال مبادرات الصلح والقيام بالوساطة[1]، وهذا يجسد ما ذكرناه في البداية على أهمية دور جمعيات المجتمع المدني ، الذي ببنى على العمل التطوعي إد أن ليس هناك نص قانوني بمدونة الأسرة يلزم جمعيات المجتمع المدني بتدخل في هذه المنازعات ، وبالتالي المشرع المغربي يدرج هذه الجمعيات بنص صريح للقيام بمبادرات كصلح مثلا، غير هذا لا يمنع من انتداب هذه الجمعيات للقيام بإجراءات الصلح إذا كانت مؤهلة لذلك من خلال الباب الذي فتحته المادة 82 من مدونة الأسرة في فقرتها الثانية "للمحكمة أن تقوم بكل الإجراءات، بما فيها انتداب حكمين أو مجلس العائلة، أو من تراه مؤهلا لإصلاح ذات البين."

 

وهذا الباب تجسد من خلال عبارة " من تراه مؤهلا لإصلاح ذات البين "، هذا يفتح النطاق للجمعيات للقيام بهذا العمل غير أن هذا الأمر من الناحية الواقعية لا يحدث إلا نادرا ، وهذا يرجع لعدة إكراهات تكون سببا في عدم قيام الجمعيات بهذا الدور ، لكن هذا قد يحدث خارج دائرة المحكمة ، فمعظم هذه الجمعيات تباشر إجراءات الصلح تلقائيا بعيدا عن القضاء عندما يتم لجوء لها من طرف الأزواج ، لكن هذا الإجراء يبقى محتشم ، ولا يحقق النتائج المرجوة .

لكن في المجمل على أن هناك عمل من أجل توسيع نطاق جمعيات المجتمع المدني في حل المنازعات الأسرية ، وهذا الأمر تم تأكيده من خلال دليل الجمعيات العاملة في مجال الوساطة الأسرية لسنة 2020 حيث جاء فيه إن تطوير وتعزيز الخدمة الاجتماعية في المجال الأسري لا يهدف بالأساس إلى جعل الأسرة وحدة للعلاج فقط، وإنما أيضا وحدة للوقاية والحماية كما أن الواقع الحالي للأسر المغربية بات يلح على تبني جيل جديد من الخدمات لمواكبة الأسر في مهمتها المتمركزة حول التنشئة الاجتماعية وبالتالي التفكير بعمق في تطوير :

-1- الإجراءات الوقائية القبلية لحماية الأسر من التفكك

2- الوسائل البديلة لتدبير النزاعات بطرق حبية.[2]

وبالتالي وفي ظلّ غياب مأسسة الوساطة الأسرية حتى الساعة كحلّ لإنقاذ الزيجات والحفاظ على حقوق جميع الأفراد، تحاول جمعيات ومراكز نسائية وحقوقية لمّ شمل عشرات من الأسر المغربية من خلال العمل على معالجة النزاعات وتسوية الخلافات والسيطرة عليها قبل اللجوء إلى القضاء. ولتحقيق ذلك تقوم الجمعيات والمراكز التي تعتمد على دعم تتلقاه من وزارة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة في المغرب [3]، وهذا الدعم قد يشمل جمعيات دون الأخرى بل أن الجمعيات التي تتلقى الدعم في مجال الوساطة الأسرية هي معدودة مقارنة بعدد الجمعيات ليبقى العمل التطوعي هو الأساس لقيام بهذه المهمة رغم الظروف والإكراهات.

إن تحديد نطاق عمل جمعيات المجتمع المدني في مجال حل المنازعات الأسرية هو نطاق واسع لكنه لم يحظى بالاهتمام من طرف المشرع رغم دوره المحتشم في فض النزاعات الأسرية كوسيلة بديلة على القضاء نظرا لغياب التحسيس باللجوء لهذه الجمعيات ، فأغلب الأسر تتوجه مباشرة للقضاء لأن معظمهم يجهل وجود هذه الجمعيات.

·      تجربة جمعيات المجتمع المدني بآسفي

في معرض حديثنا عن دور جمعيات المجتمع المدني في الوساطة الأسرية بآسفي كجمعية نسيم للعمل الانساني وجمعية أم قاسم المرادية للعمل النسائي توصلنا إلى أن هناك العديد من الصعوبات والمعيقات التي تشكل عرقلة حقيقية أمام المجهودات التي تبذلها هذه الفعاليات في سبيل اضطلاعها بالأدوار والوظائف المنوطة بها، فبالموازات مع المعيقات على المستوى التشريعي هناك معيقات على المستوى الواقعي ؛

أولا- على المستوى التشريعي

يصطدم تطبيق الوساطة الأسرية بالمغرب عموما بصعوبات قانونية تتمثل في غياب مواكبة تشريعية لها من طرف المشرع فرغم صدور قانون 05/08 المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية لم يرقى بنا بعد إلى الطموحات المرجوة خاصة في الجانب الأسري الذي يطغى عليه طابع الخصوصية.

ويبدوا أن أول خطوة لتأسيس الوساطة الأسرية بالمغرب هو تقنينها في نصوص واضحة وخالية من اللبس والغموض أسوة بالبلدان المتقدمة كالمملكة المتحدة التي عملت على ادراج الوساطة الأسرية وجعلتها الأصل قبل اللجوء إلى القضاء .

إن غياب الإطار القانوني المنظم للوساطة الأسرية  في ظل عمل فعاليات المجتمع المدني من أجل التدخل لفض النزاعات الأسرية، خلق نوعا من العبث في التعاطي معها، خاصة إذا ما علمنا أيضا أن جل القوانين المنظمة لعمل المجتمع المدني، تتسم هي أيضا بنوع من التشتت وعدم التجانس، مما يطرح في نفس الوقت مسألة فعالية القوانين ومدى ملائمتها للتشريع وطبيعة علاقة تلك القوانين بالفاعلين الجمعويين [4].

ومن بين الصعوبات المرتبطة بالتشريع تتمثل في القانون الواجب التطبيق  وتحديد نوع الوساطة هل هي وساطة اتفاقية أم اجبارية ؟

إن إشارة المشرع المغربي في ديباجة مدونة الأسرة بلفظ صريح ومقتضب بأهمية : " تعزيز التوفيق والوساطة بتدخل الأسرة والقاضي " يعني أن يتجه  نحو إعمال الوساطة القضائية الشيء الذي لا ينسجم مع ما تبناه المشرع من خلال قانون 08.05 بشأن التحكيم والوساطة الاتفاقية مما أفرز إشكالية تحديد الطبيعة القانونية للوساطة الأسرية بالمغرب بشكل عام .[5]

إذن أمام هذه العراقيل قد تجد الجمعيات نفسها عرضة لانتقادات شديدة من طرف الوافدين إليها الراغبين في الوساطة الأسرية، الشيء الذي يتطلب تدخل تشريعي من أجل إنزال القانون الذي طال انتظاره مدة من الزمن يتلاءم وروح مدونة الأسرة مستجيبا لتطلعات المجتمع المغربي والفاعلين الجمعوين على حد سواء.

وبالموازاة مع المعيقات التشريعية يعترض تفعيل دور المجتمع المدني في مجال الوساطة الأسرية صعوبات واقعية أيضا

ثانيا : على المستوى الواقعي

إلى جانب الصعوبات القانونية تواجه جمعيات المجتمع المدني مجموعة من المعيقات الواقعية تشكل عرقلة حقيقية نحو تفعيل دور المجتمع المدني في مجال الوساطة الأسرية لعل أهمها قلة المراكز التي تشغل الوساطة الأسرية والمحددة في 62 جمعية موزعة على الصعيد الوطني حسب الإحصائيات المنجزة من طرف وزارة التضامن لسنة 2020 وهي التي تحظى بدعم وزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية وهو عدد غير كاف بالمقارنة مع عدد القضايا الأسرية المعروضة أمام المحاكم وأما صعوبات تفعيل عمل هذه الجمعيات على المستوى الواقعي بالمحاكم وعدم إحالة القضاء إلى هذه الجمعيات .[6]

والملاحظ في جمعيتي آسفي أن دورها في تفعيل الوساطة الأسري شبه منعدم نظرا لقلة الوافدين عليها ولقلة مواردهما المالية  وهزالة الدعم المالي المرصد لها وقلة المنخرطين فيها ومرجع ذلك إلى ضعف الوعي بأهمية الوساطة الأسرية بآسفي والعمل التطوعي ككل، وغياب الطليعة المثقفة التي بمقدورها أن ترسم مشروعا مجتمعيا ومحددا يعكس طموحات المجتمع بكل مكوناته ، وهذا بسبب الأمية وانعدام الوعي والميل إلى أساليب التقاضي العادية وتمسك الأطراف بها ، والفهم الخاطئ لآلية الوساطة كحل بديل سيما أن الوساطة الأسرية تتطلب درجة من الوعي والنضج والأخلاق وثقافة الحوار لدى الطرفين .

 

 

 

 



[1] مجيدة بجو ، دور الوسائل البديلة في تسوية المنازعات الأسرية ، رسالة نهاية التمرين للملحقين القضائيين الفوج 36 ، لسنة 2009-2011، المعهد العالي للقضاء ، الرباط ، الصفحة 83.

[2] دليل الجمعيات العاملة في مجال الوساطة الأسرية ، لسنة 2020، وزارة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والتضامن ، الصفحة 4.

[3] عادل نجدي ، المغرب: جمعيات تعمل على لم شمل الأسر ، موقع العربي الجديد ، نشر بتاريخ 25 أبريل 2021، تم الإطلاع عليه بتاريخ 31/5/2023 الساعة 12:34.

[4] - كوثر بوماي ، "دور المجتمع المدني في التنمية السياسية " رسالة لنيل دبلوم الماستر ، جامعة المولى اسماعيل كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية مكناس، السنة الجامعية 2015-2016

[5] - فاطمة الزهراء بلفيه " دور المجتمع المدني في الوساطة الأسرية " رسالة لنيل دبلوم لماستر بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ظهر المهراز – فاس السنة الجامعية 2017-2018 ص115

[6] - فاطمة الزهراء بلفيه مرجع سابق ص118

 

تابعونا من هنا

أكتب تعليق

أحدث أقدم

دروس قانونية

{getBlock} $results={دروس في القانون} $label={#} $type={col-left} $color={#1abc9c}